سورة المزمل - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المزمل)


        


{إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)}
{سَبْحاً} تصرفاً وتقلباً في مهماتك وشواغلك، ولا تفرغ إلا بالليل؛ فعليك بمناجاة الله التي تقتضي فراغ البال وانتفاء الشواغل. وأما القراءة بالخاء فاستعارة من سبخ الصوف، وهو نفشه ونشر أجزائه؛ لانتشار الهم وتفرّق القلب بالشواغل، كلفه قيام الليل، ثم ذكر الحكمة فيما كلفه منه: وهو أن الليل أعون على المواطأة وأشد للقراءة، لهدوّ الرجل وخفوت الصوت، وأنه أجمع للقلب وأضم لنشر الهم من النهار؛ لأنه وقت تفرق الهموم وتوزع الخواطر والتقلب في حوائج المعاش والمعاد. وقيل: فراغاً وسعة لنومك وتصرفك في حوائجك وقيل: إن فاتك من الليل شيء فلك في النهار فراغ تقدر على تداركه فيه.


{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)}
{واذكر اسم رَبِّكَ} ودم على ذكره في ليلك ونهارك، واحرص عليه، وذكر الله يتناول كل ما كان من ذكر طيب: تسبيح، وتهليل، وتكبير، وتمجيد، وتوحيد، وصلاة، وتلاوة قرآن، ودراسة علم، وغير ذلك مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغرق به ساعة ليله ونهاره {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ} وانقطع إليه.
فإن قلت: كيف قيل {تَبْتِيلاً} مكان تبتلا؟ قلت: لأن معنى تبتل بتل نفسه، فجيء به على معناه مراعاة لحق الفواصل {رَّبُّ المشرق والمغرب} قرئ مرفوعاً على المدح، ومجروراً على البدل من ربك.
وعن ابن عباس: على القسم بإضمار حرف القسم، كقولك: الله لأفعلنّ، وجوابه {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} كما تقول: والله لا أحد في الدار إلا زيد.
وقرأ ابن عباس {رب المشارق والمغارب} {فاتخذه وَكِيلاً} مسبب على التهليلة؛ لأنه هو وحده هو الذي يجب لتوحده بالربوبية أن توكل إليه الأمور.
وقيل {وَكِيلاً}: كفيلاً بما وعدك من النصر والإظهار. الهجر الجميل: أن يجانبهم بقلبه وهواه، ويخالفهم مع حسن المخالفة والمداراة والإغضاء وترك المكافأة.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: إنا لنكشر في وجوه قوم ونضحك إليهم، وإن قلوبنا لتقليهم وقيل: هو منسوخ بآية السيف.


{وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)}
إذا عرف الرجل من صاحبه أنه مستهم بخطب يريد أن يكفاه، أو بعدوّ يشتهي أن ينتقم له منه وهو مضطلع بذلك مقتدر عليه قال: ذرني وإياه أي: لا تحتاج إلى الظفر بمرادك ومشتهاك، إلا أن تخلى بيني وبينه بأن تكل أمره إليّ وتستكفينيه، فإنّ فيّ ما يفرغ بالك ويجلي همك، وليس ثم منع حتى يطلب إليه أن يذره وإياه إلا ترك الاستكفاء والتفويض، كأنه إذا لم يكل أمره إليه، فكأنه منعه منه؛ فإذا وكله إليه فقد أزال المنع وتركه وإياه، وفيه دليل على الوثوق بأنه يتمكن من الوفاء بأقصى ما تدور حوله أمنية المخاطب وبما يزيد عليه النعمة:- بالفتح- التنعم، وبالكسر: الإنعام وبالضم: المسرة؛ يقال: نعم، ونعمة عين، وهم صناديد قريش، وكانوا أهل تنعم وترفه {إِنَّ لَدَيْنَآ} ما يضاد تنعمهم من أنكال: وهي القيود الثقال، عن الشعبي. إذا ارتفعوا استفلت بهم. الواحد: نكل ونكل. ومن جحيم: وهي النار الشديدة الحر والاتقاد. ومن طعام ذي غصة وهو الذي ينشب في الحلوق فلا يساغ يعني الضريع وشجر الزقوم. ومن عذاب أليم من سائر العذاب فلا ترى موكولاً إليه أمرهم موذوراً بينه وبينهم ينتقم منهم بمثل ذلك الانتقام.
وروي: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فصعق.
وعن الحسن: أنه أمسى صائماً. فأتي بطعام، فعرضت له هذه الآية؛ فقال: ارفعه، ووضع عنده الليلة الثانية، فعرضت له، فقال: ارفعه، وكذلك الليلة الثالثة، فأخبر ثابت البناني ويزيد الضبي ويحيى البكاء، فجاؤا فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق {يَوْمَ تَرْجُفُ} منصوب بما في لدينا. والرجفة. الزلزلة والزعزعة الشديدة. والكثيب: الرمل المجتمع من كثب الشيء إذا جمعه، كأنه فعيل بمعنى مفعول في أصله. ومنه الكثبة من اللبن، قالت الضائنة: أجز جفالا وأحلب كثباً عجالا، أي: كانت مثل رمل مجتمع هيل هيلا، أي: نثر وأسيل.

1 | 2 | 3 | 4